طبيعة النفس البشريّة مُريدة ، فلا يعمل أحد فينا دون أن يضمن أن هناك مقابلٌ لعمله
فالطالب يدرس ابتغاء النجاح ، و الموظف يعمل طمعاً في الراتب ، و المتسابق يبذل قصارى جهده لأجل الفوز
و المُبدع يُبدع كي ينال المَجد و الشُهرة و المال ، و العابد يُكرّس جُلّ وقته في العبادات و الطاعات كي ينال مرضاة الله و غفرانه
و حتى مَن ينخرط في العمل التطوعي الخيري يطمع في الجزاء و الثواب من الله عز و جلّ
و لو كان العمل التطوعي دون ثواب من الله سبحانه لما رأينا متطوعين و لا كوادر خيرية
لكن ألم يتبادر إلى أذهاننا أن هناك أناس بذلوا في سبل الخير دون انتظار المقابل المادي أو المعنوي الدنيوي أو الأخروي
و منهم حاتم الطائي الشاعر الجاهلي الذي توفي في السنة 46 قبل الهجرة
و عرف أنه جواد كريم معطاء ، فقد كان يذبح من الإبل عشراً كل يوم
و يطعم الناس منها ، و كان يشعل موقده حتى يراه الضيف من بعيد و يستدلّ به إلى بيت حاتم
فيأتي كي يأكل و يشرب ، و كانت مصر تُعظّمه في الجاهلية
من المواقف الشهيرة في سيرة كرم حاتم الطائي
أنه لفى إليه ثلاثة من الضيوف الذين يجهلهم
و عندما عرفهم كانوا الشعراء
عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم والنابغة الذبياني
فسألوه طعام الضيف ، فنحر لهم ثلاثة من الإبل
فقال عبيد : إنما أردنا بطعام الضيف اللبن و كانت تكفينا
فقال حاتم : رأيتكم وجوهاً مختلفة و أشكالاً متعدِّدة ، فظننتكم من بلادٍ مُختلفة
فأردت أن يذكر كل واحد منكم ما رآه عند قومه
فانهالوا عليه مديحاً من شعرهم ، فذبح لهم كل ما يملك من الإبل
الآن ، و مع وجود الثواب و المَجد و الإعلام و الشهرة
هل نجد مَن يتمتّع بربع سجايا حاتم الذي كانت تفخر به القبائل العربية كلها
و الذي كان يفعل الخير دون أن يعلم بوجود الثواب ؟!