لن تبلغ
طول جبال الأرض وأصلك بعض تراب ، وحضورك لون غياب واستيقاظك حين مآب
ونهاية
أمرك في شبرين .. وطريقك مسدود البابين
فعلى ما
الكبر وأنت رهين الضعف ، رهين حساب ؟
ما شأنك
حتى تعبده ، وتقيم الكون وتقعده
إن شب غرور
وتعلى ، قام الإنصاف وأخمده
الله الله
يا نـاسي .. أن المتواضع للناسِ
حين
المـيزان أرجح إنسان
قدر الرحمن
على المتكبر تصغره الاقدار ، كي يعلم أن الله كبير منتقم جبار
وهنا تاريخ
بين يديك .. فتأمله بالله عليك
كل عروش
الجبروت إنهارت مثل هشيم النار
ولربك تبقى
حكمته ، قامت بالعدل حكومته
ما بدأ
الكبر على أرض ، إلا والذل نهايته
الله الله
قد جلى .. إن يهمل جباراً كلا
فأنظر
وأختار بين الأقدار !
*************
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ) (الأعراف/146) ، وقال تعالى : (كَذَلِكَ
يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر/35) وقال
تعالى : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (النحل/23) ، وقال عز
وجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ
جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/60) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - ": يقول الله تعالى : الكبرياء ردائي ،
والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدًا منهما ألقيته في جهنم ولا أبالي " (رواه
مسلم) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا ينظر الله إلى رجل يجر إزاره بطرًا" (رواه البخاري) .
وروى مسلم في صحيحه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لا
يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقال رجل : إن الرجل يحب أن
يكون ثوبه حسنـًا ونعله حسنـًا ، فقال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر
بَطَرُ الحقِّ وغمط الناس" (رواه مسلم) .
ومعنى بطر الحق : الاستنكاف عن قبوله ورده والنظر إليه بعين الاستصغار ،
وذلك للترفع والتعاظم ، ومعنى غمط الناس : إزدراؤهم واحتقارهم.
بيان ما يتكبر به :
أولاً : العلم :
وما أسرع الكبر إلى بعض العلماء فلا يلبث أن يستشعر في نفسه كمال العلم ،
فيستعظم نفسه ويحتقر الناس ويستجهلهم ويستخدم من خالطه منهم وقد يرى نفسه
عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم .
الثاني : الكبر بالحسب والنسب :
فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب ، وإن كان أرفع منه علمـًا
وعملاً ، وهذا من فعل الجاهلية كما جاء أن أبا ذرٍ - رضي الله عنه - قال :
قاولت رجلاً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فعيرته بأمه فغضب - صلى الله
عليه وسلم - وقال : " يا أبا ذر إنك امروء فيك جاهلية : هم إخوانكم "(رواه
مسلم) .
الثالث : الكبر بالمال :
وذلك يجري بين الأغنياء في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيحتقر الغني الفقير ويتكبر عليه ، وكل ذلك جهل منهم بفضيلة الفقر وآفة الغنى .
الرابع : التكبر الأتباع والأنصار والعشيرة :
فهذه الأمور السابقة هي بعض ما يتكبر به الناس بعضهم على بعض ، نسأله تعالى العون بلطفه ورحمته .
واعلم أن التكبر في شمائل الرجل كصعر في وجهه ، ونظره شزرًا ، وفي أقواله
حتى في صوته ونغمته ، ويظهر في مشيته وتبختره ، وقيامه وجلوسه وحركاته
وسكناته ، فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله ، ومنهم من يتكبر في بعض ويتواضع
في بعض ، فمنها التكبر بأن يحب قيام الناس له أوبين يديه ، ومنها أن لا
يمشي إلا ومعه غيره خلفه ، ومنها أن لا يتعاطى بيده شغلاً في بيته ،
والتواضع خلافه : جاء أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيوف ، وكان يكتب
فكاد السراج يطفأ فقال الضيف : أقوم إلى السراج فأصلحه ؟ فقال : ليس من كرم
الرجل أن يستخدم ضيفه ، قال : أفأنبه الغلام ؟ فقال : هي أول نومة نامها ،
فقام وملأ المصباح زيتـًا فقال الضيف : قمت أنت يا أمير المؤمنين ؟ فقال :
ذهبت وأنا عمر ، ورجعت وأنا عمر ، ما نقص مني شيء ، وخير الناس من كان عند
الله متواضعـًا .
وبالجملة فمجامع حسن الأخلاق والتواضع سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فينبغي أن يقتدى به .
قال ابن أبي سلمة : قلت لأبي سعيد الخدري : ما ترى فيما أحدث الناس من
الملبس والمشرب والمركب والمطعم ؟ فقال : يا ابن أخي ، كل لله واشرب لله
والبس لله ، وكل شيء من ذلك دخله زهو أو مباهات أو رياء أو سمعة فهو معصية
وسرف ، وعالج في بيتك من الخدمة ما كان يعالج رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - في بيته ، كان يحلب الشاة ، ويخصف النعل، ويرقع الثوب ، ويأكل مع
خادمه ، ويشتري الشيء من السوق لا يمنعه الحياء أن يعلق الإناء بيده ،
ويصافح الغني والفقير ، ويسلم مبتدئـًا على كل من استقبله من صغير أو كبير ،
ويجيب إذا دُعيَ ولا يحقر ما دُعيَ إليه ، لين الخلق ، جميل المعاشرة ،
طليق الوجه ، شديدًا في غير عنف ، متواضعـًا في غير مذلة ، جوادًا من غير
سرف ، رقيق القلب ، زادت عائشة - رضي الله عنها - وأنه - صلى الله عليه
وسلم - لم يمتلئ قط شبعـًا ، ولم يبث إلى أحد شكوى ، وكان يقول : " البذاذة
من الإيمان "(رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم ، وصححه الألباني) .
فقال هارون : سألت عن معنى البذاذة فقال : هو الدون من اللباس ، فمن طلب
التواضع فليقتد به - صلى الله عليه وسلم - ومن لم يرض لنفسه بذلك فما أشد
جهله ، فلقد كان - صلى الله عليه وسلم - أعظم خلق الله في الدنيا والدين ،
فلا عز ولا رفعة إلا في الاقتداء به .
قال كعب : ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا ورفع بها درجته في الآخرة .
الطريق في معالجة الكبر واكتساب التواضع :
اعلم أن الكبر من المهلكات ، وإزالته فرض عين ، ولا يزول بمجرد التمني، بل بالمعالجة ، وفي معالجته مقامان :
أحدهما : قطع شجرته من مغرسها في القلب .
الثاني : دفع العرض منه بالأسباب التي قد يتكبر بها .
المقام الأول : في استئصال أصله ، وعلاجه علمي وعملي ولا يتم الشفاء إلا بمجموعهما إن شاء الله تعالى .
أما العلمي : فهو أن يعرف نفسه ويعرف صفات ربه تبارك وتعالى ، ويكفيه ذلك
في إزالة الكبر ، فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه لا يليق به إلا
التواضع ، وإذا علم صفات ربه عز وجل علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا
لله عز وجل .
المقام الثاني : يدفع العارض منه بالأسباب التي ذكرناها ، فمن تكبر بنسبه
فليداو قلبه بمعرفة أن هذا جهل من حيث أنه تعزز بكمال غيره ، ولذلك قال
الشاعر :
لَئِنْ فَخَرْتَ بَآبَاءٍ ذَوي نَسَبٍ لَقَدْ صَدَقْتَ وَلَكَنِ بِئْسَ مَا وَلَدُوا
ومن كان خسيسـًا فمن أين يجبر خسته ؟ بكمال غيره ، وبمعرفة نسبه الحقيقي -
أعني أباه وجده - فإن أباه القريب وجده البعيد تراب ، ولقد عرَّف الله
تعالى نسبه فقال : (وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ
نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) (السجدة/7 ،
.
أما التكبر بالغنى وكثرة المال وفي معناه كثرة الأتباع والأنصار والتكبر
بالمناصب والولايات فكل ذلك تكبر بمعنى خارج عن ذات الإنسان ، وهذا أقبح
أنواع الكبر ، فلو ذهب ماله أو احترقت داره لعاد ذليلاً ، وكم من اليهود من
يزيد عليه في الغنى والثروة والتجمل فأفٍ لشرف يسبقه به يهودي أو يأخذه
سارق في لحظة فيعود ذليلاً مفلسـًا .
أما التكبر بالعلم والعبادة وهو أعظم الآفات فعلاجه بأمرين :
أحدهما : أن يعلم أن حجة الله على أهل العلم آكد وأنه يحتمل من الجاهل ما
لا يحتمل عُشْرُهُ من العالم ، فإن عصى الله تعالى عن معرفة وعلم فجنايته
أفحش وخطره أعظم .
ثانيهمـا : أن يعرف أن الكبر لا يليق إلا بالله عز وجل وحده ، وأنه إذا
تكبر صار عند الله ممقوتـًا بغيضـًا ، فهذا مما يزيل التكبر ويبعث على
التواضع .